التحديات والصعاب التي تواجهنا تتطلب منا أن نستعد لمواجهتها عبر فكر جديد، عبر أفكار إبداعية، ورؤية واضحة. يتوجب علينا أن ندعم ونعزز النمو الداخلي لدينا لمصلحة وخير ورفاهية مواطنينا، ويجب علينا أن نتعاون مع دول الجوار من أجل دعم نموهم واستقرارهم ورفاهيتهم. إن مواجهة هذا التحدي يمكن أن تنجح فقط عبر عمل جماعي يشارك فيه القطاعان العام والخاص، والمؤسسات المالية والمجتمع المدني. وكاتحاد أوروبي، فإننا نجسد خير مثال على ذلك، ففي ظل الاحتياجات المتزايدة وانكماش الموارد، اضطر الاتحاد الأوروبي إلى اتباع أساليب جديدة في سبيل توسيع وتمدد إضافي للتمويل العام. وقد عملنا ذلك مرة أخرى هذا الأسبوع، لقد قدمنا مراجعة كلية لموازنة الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي أدى إلى تحرير مبلغ إضافي بقيمة 6,3 مليار يورو كتمويل لمجالات ذات أولوية لغاية عام 2020، والذي يزيد من مرونة استخدام الموازنة ويخفف من البيروقراطية والإجراءات الروتينية لمصلحة المشاريع الصغيرة ومتوسطة الحجم والمنظمات غير الحكومية. والاهم من ذلك، لقد قمنا بتوسيع صندوق ضمان واحد لاستثمارات خلق الوظائف في أوروبا، ونقوم حالياً بإطلاق صندوق ضمان جديد لتعزيز النمو والاستقرار في منطقة الجوار وفي أفريقيا. إن خطة الاستثمار لمصلحة أوروبا – أو المعروفة غالباً باسم خطة يونكر – وصندوقها الأوروبي للاستثمارات الاستراتيجية شكلتا نقطة تحول في استجابتنا الجماعية تجاه الأزمة الاقتصادية. وفي ظل مواجهة القيود المالية الصارمة، التمويل العام لم يكن كافياً لدعم الاقتصاد وخلق فرص العمل لشعبنا. لم يكن هناك نقص في السيولة النقدية الخاصة لكن كان هناك حاجة لإطلاقها، وبالتعاون مع المؤسسات المالية الدولية، وفر الصندوق الجديد ضمان للاستثمارات الخاصة في قطاعات رئيسة مع دعم مباشر إلى المشاريع الصغيرة ومتوسطة الحجم. لقد قمنا باستخدام الأدوات المالية في الماضي، لكنها كانت بمثابة خطوة حذرة جداً لفحص إمكانية النجاح، أما هذه الخطوة، فهي الاختراق إلى العمق: صندوق ضمان بقيمة 16 مليار يورو من موازنة الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى 5 مليارات يورو من رأسمال بنك الاستثمار الأوروبي، لإطلاق ما يزيد على 315 مليار يورو كاستثمارات في أوروبا. وقد ثبت نجاح هذه الخطة، فخلال عام واحد، يتوقع أن تزداد المشاريع الصغيرة ومتوسطة الحجم إلى 200,000 مشروع، إنه أسلوب ذكي في استثمار أموالنا ولذلك نحن ملتزمون بمضاعفة الصندوق الأوروبي للاستثمارات الاستراتيجية داخل أوروبا من ناحية المدة والقدرة المالية. حالياً، نقترح توفير على الأقل نصف تريليون يورو كاستثمارات منظمة لمدة خمسة أعوام، مع تركيز أكبر على الاستثمارات المستدامة ومشاريع عابرة للحدود، ويمكن أن نصل إلى هدف مضاعفة الصندوق ليصل إلى 630 مليار يورو، وبوتيرة أسرع من سيناريو تساهم فيه الدول الأعضاء. وبنفس القدر من الأهمية، فنحن نطبق نفس المبدأ خارج قارتنا من خلال إطلاق خطة الاستثمار الخارجي الجديدة. وإذا نظرنا إلى المنطقة المجاورة لأوروبا، فسنجد أن لديها فرصاً هائلة تعيقها الحروب والفقر ونقص البنية التحتية والحوكمة الضعيفة. يوجد ملايين الشباب الذين يبحثون عن فرص أفضل، وخلال سعيهم لتحقيق ذلك، الكثير منهم يخاطرون بحياتهم خلال رحلات خطرة للوصول إلى أوروبا، وآخرين يصبحون أهدافا سهلة أمام الدعاية التي تروج لها المجموعات الإرهابية. الاتحاد الأوروبي يمكنه أن يشوش على هذه التوجهات السلبية من خلال تحفيز النمو وخلق الفرص في منطقتنا الأوسع. المصانع الأوروبية تشغل مئات الالآف من الشباب حول العالم، وتوفر للكثير فرص النجاح في دولهم، وتساهم في معالجة أحد الأسباب الرئيسة للهجرة. وهنا يأتي دور خطة الاستثمار الخارجي، واعتماداً على صندوق ضمان بقيمة 1,4 مليار يورو من موازنة الاتحاد الأوروبي، فهي تهدف إلى دعم وتنفيذ استثمارات بقيمة تزيد عن 40 مليار يورو في منطقة الجوار. وهذا أكثر مما يستثمر الاتحاد الأوروبي حاليا كمساعدات في مختلف أنحاء العالم سنويا. ويمكن مضاعفة هذا المبلغ في حال ساهمت الدول الأعضاء بنفس المساهمة الآتية من موازنة الاتحاد الأوروبي. الصندوق الأوروبي للتنمية المستدامة سيوفر الضمان لمستثمرين من القطاع الخاص ضد المخاطر التي تواجههم عند إطلاق مشاريع في الدول النامية. وهذا الضمان سوف يدعم مشاريع منفردة، بالإضافة إلى «نوافذ استثمارية» أوسع في مناطق أو قطاعات استراتيجية. إن وجود «محطة واحدة للمعاملات» سوف يشجع المستثمرين من القطاع الخاص والمؤسسات الاستثمارية من أوروبا، ومن الدول الشريكة من اجل وضع مقترحات مشاريعهم في القنوات الصحيحة، وجمع المعلومات حول الحوافز. خطة الاستثمار الخارجي تأخذ سياستنا في مجال المساعدات إلى المستوى الذي يليه، وكلما سرنا وتقدمنا في التزامنا المالي تجاه التنمية المستدامة، نحتاج من القطاع الخاص أن ينضم للعمل معنا. لقد سبق واتفقنا على ذلك، عندما ساعدنا في التوصل إلى أجندة الأعمال في أديس أبابا وأهداف التنمية المستدامة. إن فصلاً جديداً من سياسة التنمية الأوروبية قد بدأ، وهو جزء من هدف أوسع، ألا وهو الاستخدام الأفضل للأموال الأوروبية في أوروبا والخارج. فيديريكا موغيريني* *الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسات الأمنية